فصل: الباب الثالث: في أصل وضع الخراج وأول من وضعه في الإسلام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستخراج لأحكام الخراج



واختلف العلماء في حكم أرض الفيء هل تصير وقفا بمجرد انتقالها إلى المسلمين أم لا نص الشافعي أنها تصير وقفا ما عدا الخمس لأن الفيء عنده يخمس واختلف أصحابه على طريقين:
أحدهما أن يصير هذا بالوقفية على قوله أن مصرف الفيء المصالح فأما على قوله إنه للمقاتلة فيجب قسمتها بينهم.
والثاني أنه وقف على القولين جميعا لكن إن قلنا مصرف الفيء المصالح صرفت غلة هذه الأرض في المصالح، وإن قلنا المقاتلة خاصة صرفت الغلة في مصالحهم.
واختلف أصحابنا هل تصير أرض الفيء وقفا بمجرد استيلاء المسلمين عليها أم لا على وجهين.
فمنهم من حكى هذا لخلاف في الأرض التي جلي أهلها عنها خاصة كأبي الخطاب ومن تبعه ومنهم من حكاه في أرض من مات ولا وارث له خاصة كالقاضي في الأحكام السلطانية وجعل حكمها حكم أرض العنوة على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وذكر أن الإمام له أن يصطفي لبيت المال من مال الغانمين باستطابة نفوسهم أو بحق الخمس ويكون ملكا لجميع المسلمين أو لأهل الخمس فإن شاء الإمام استغله ومنهم من حكى في الأرض التي جلي عنها الكفار حتى تصير وقفا بمجرد ذلك أم لا تصير وقفا بدون وقف الإمام روايتين ولم يحك في أرض بيت المال الموروثة أنها لا تصير وقفا بدون وقف الإمام كصاحب المحرر والمنصوص عن أحمد في ذلك ما نقله عنه صالح وأبو الحارث قال كل أرض جلي عنها أهلها بغير قتال فهي فيء.
ونقل عنه المروزي أنه قال الأرض الميتة إذا كانت لم تملك فإن ملكت فهي فيء للمسلمين مثل من مات وترك مالا لا يعرف له وارث والقاضي يتأول قول أحمد أنها فيء بأن المراد أنها وقف وظاهر كلام أحمد يأبى ذلك ويدل على أنها مملوكة لعموم المسلمين.
ومن الأصحاب من جعل أرض العنوه المضروب عليها كذلك كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وإذا قلنا لا تصير وقفا بدون وقف الإمام فحكمها قبل ذلك حكم مال الفيء المنقول صرح به صاحب المحرر وكذا ذكره القاضي في الأحكام السلطانية في أرض بيت المال الموروثة دون الأرض التي اصطفاها الإمام لبيت المال فإنه جعلها كالوقف المؤبد وفي ذلك نظر.
وروي عن عمر بن عبدالعزيز أنه أمر أن يزارع أرض الصوافي بجزء معلوم فإن لم يوجد من يزارع عليها فلتمنح فإن لم يوجد من يأخذها أنفق عليها من بيت المال ولا تبور أخرجه يحيى بن آدم.
ونقل يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح في جميع هذه الأراضي أن أمرها إلى الإمام فإن شاء أقام فيها من يعمرها ويؤدي إلى بيت مال المسلمين عنها شيئا ويكون الفضل له، وإن شاء أنفق عليها من بيت المال واستأجر من يقوم فيها ويكون فضلها للمسلمين وإن شاء أقطعها رجلا ممن له غناء عن المسلمين.
وقد روي عن عمر رضي الله عنه ما يدل على أنه جعلها كأرض العنوة في التخيير سواء.
قال الأثرم حدثنا عفان حدثنا عبدالواحد بن زياد حدثنا أبو طلق حدثني أبو حنظلة بن نعيم أن سعدا كتب إلى عمر رضي الله عنه إنا أخذنا أرضا لم يقاتلنا أهلها فكتب إليه عمر رضي الله عنه إن شئتم أن تقسموها بينكم فاقسموها وإن شئتم أن تدعوها فيعمرها أهلها فمن جاء منكم بعد ذلك كان له فيها نصيب فإني أخاف أن تشاحنوا فيها وفي شربها فيقتل بعضكم بعضا.
وروى الحسن بن زياد في كتاب الخراج عن الحسن بن عمارة عن محمد بن عبيد الله وعبدالرحمن بن سابط عن يعلى بن أمية أن عمر رضي الله عنه استعمله على نجران وأوصاه أيما أرض جلي عنها أهلها فادفع الأرض وما فيها من النخيل والشجر إلى من يعملها ويقوم عليها على أن ما كان يسقى سيحا أو تسقيها السماء فلهم الثلث وللمسلمين الثلثان وما كان يسقى بغرب فلهم الثلثان وللمسلمين الثلث وإسناده ضعيف جدا.
النوع الثاني ما تعلق به ابتداء حق مسلم معين وهي أرض العنوة التي قوتل الكفار عليها وأخذت منهم قهرا فاختلف العلماء قديما وحديثا في حكم هذه الأرض اختلافا كبيرا وحاصله يرجع إلى أقول ثلاثة:
أحدهما أنه يتعين قسمتها بين الغانمين بعد إخراج الخمس منها كما تقسم المنقولات وهذا قول الشافعي وحكاه ابن المنذر عن أبي ثور واختاره وحكاه الخلال في كتاب الأموال رواية عن أحمد من رواية عبدالله عنه وإلى الآن لم نقف على نقل صريح عن أحد معين قبل الشافعي بهذا القول إلا أن يحيى بن آدم حكاه عن قائل لم يسمه وحكاه أحمد عن أهل المدينة وأما ما روي عن الزبير رضي الله عنه من طلب قسمة أرض مصر وعن بلال رضي الله عنه من طلب قسمة أرض الشام فذاك إنما يدل على جواز قسمته لا على أنه لا يجوز غير ذلك ولهذا لما أبى عمر رضي الله عنه عليهم القسمة لم ينكروا عليه ولا قال أحد منهم إن ذلك غير جائز أو أنه مخالف لكتاب الله عز وجل.
والقول الثاني أنها تصير فيئا للمسلمين بمجرد الاستيلاء عليها لا يملكها الغانمون ولا يجوز قسمتها عليهم وهذا قول مالك وأصحابه وهو رواية عن أحمد واختاره أبو بكر من أصحابنا قال أحمد في رواية حنبل ما كان عنوة كان المسلمون فيه شرعا واحدا وعمر ترك السواد لذلك ومما روي عنه أن أرض العنوة فيء من السلف الحسن البصري وعطاء بن السائب وشريك بن عبدالله النخعي والحسن بن صالح ويحيى بن آدم لكنه مع ذلك قال يتخير الإمام بين قسمتها وتركها ولعل من قبله يقول كذلك إلا مالكا فإنه منع القسمة.
القول الثالث أن الإمام يخير بين الأمرين إن شاء قسمها بين الغانمين وإن شاء لم يقسمها لعموم المسلمين وهذا قول أكثر العلماء في الجملة منهم أبو حنيفة والثوري وابن المبارك ويحيى بن آدم وأحمد في المشهور عنه وأبو عقيل وإسحاق واختلفوا في كيفية تخير الإمام فقالت طائفة يخير بين أن يقسمها بين الغانمين وبين وقفها وهو المشهور عن أحمد.
وروي عن الثوري وابن المبارك وأبي عبيد واختلفوا هل تخمس إذا قسمها أم لا على قولين حكاهما يحيى بن آدم والقول بالتخميس منصوص عن أحمد والثوري وعلى هذا فلا يجوز أن ترد على أهلها تمليكا بخراج ولا غيره ذكره القاضي أبو يعلى في خلافه وغيره وقالت طائفة يخير بين قسمتها وأهلها بين الغانمين وبين إقرار أهلها عليها ويجعل عليها وعليهم الخراج فتكون ملكا لهم هذا قول أبي حنيفة وحكاه الطحاوي عن الثوري.
وحكي عن أبي حنيفة أنه إن شاء أيضا صرف عنها أهلها ونقل إليها قوما بالخراج وليس له عنده وقفها.
وقالت طائفة يخير بين أربعة أشياء الوقف والقسمة وإقرار أهلها على ملكهم بالخراج والجزية وأن يجلي أهلها عنها وينقل إليها قوما لذلك وهذا قول طائفة من أصحابنا كالقاضي في المحرر ومن تابعه واختلفوا هل يوضع الخراج على جميع أراضي العنوة أم يستثنى بعضها فمن أصحابنا من قال يوضع الخراج على جميع أراضي العنوة حتى على مزارع ملكة إذا قلنا فتحت عنوة وهو قول أبي الخطاب في كتاب الانتصار والسامري وغيرهما وقيل إن قولهما خلاف الإجماع وقالت طائفة لا خراج على مزارع مكة سواء قلنا فتحت عنوة أو صلحا وهو قول أبي عبيد وأكثر أصحابنا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما رد مكة على أهلها لم يضرب عليهم خراجا وقد قيل في تعليله إن مكة لا يقر فيها كافر بحال فكذلك ما هو في الأصل على الكافر.
والخراج في معنى الجزية فتصان مكة عنه وإن قيل إنه أجرة فبيوت مكة لا تؤجر لكن من منع إجارة بيوتها فأكثرهم خصوا ذلك بالمساكن إلا أن القاضي أبا يعلى ذكر في الأحكام السلطانية أن ما هو داخل في حدود الحرم كله لا يباع ولا يؤجر وذكر أن أحمد نص عليه في رواية مثنى الأنباري.
وقيل في تعليل منع وضع الخراج على مزارع مكة إن العرب كما لا جزية على رقابهم فكذلك لا جزية على أرضهم ولكن في أخذ الجزية منهم نزاع مشهور ومقتضى هذا التعليل أنه لا يضرب الخراج على جميع أرض العرب الذي لا يؤخذ منهم الجزية وهذا قول الكوفيين الحسن بن صالح ويحيى بن آدم وحكي عن أبي حنيفة وفي كلام أبي عبيد ما يدل عليه.
وأعلم أن مآخذ الاختلاف بين العلماء في هذه المسألة ينبني على تحرير الكلام في ثلاثة أصول:
أحدهما أن الأرض المأخوذة عنوة هل هي داخلة في آية الغنيمة أو في آية الفيء.
الثاني حكم خبير وهل قسمها النبي صلى الله عليه وسلم أو لم يقسمها.
الثالث ما فعله عمر رضي الله عنه بأرض السواد وغيره من أرض العنوة.
الأصل الأول أن الأرض المعنوة هل هي داخلة في آية الغنائم المذكورة في سورة الأنفال وهي قوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} الآية أم هي داخلة في آية الفيء المذكورة في سورة الحشر وهي قوله تعالى: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} الآية ثم ذكر تلاوة أصناف المهاجرين والأنصار ومن جاء بعدهم فقالت طائفة الأرض داخلة في آية الغنيمة فإنه تعالى قال: {واعلموا أن ما غنمتم من شيء} وشيء نكره في سياق النفي فيعم كل ما يسمى شيئا قالوا وآية الفيء لم يدخل فيها حكم الغنيمة كما أن آية الغنيمة لم يدخل فيها الفيء بل الغنيمة والفيء لكل واحد منهما حكم يختص به وهذا قول من قال من الفقهاء إن الأرض تتعين قسمتها بين الغانمين وقال طائفة بل الأرض داخلة في آية الفيء وهذا قول أكثر العلماء صرحوا بذلك وممن روي عنه عمر بن عبدالعزيز وقد سبق ذكر من قال من السلف إن السواد فيء ونص عليه الإمام أحمد.
ووجه دخول الأرض في الفيء أن الله تعالى قال: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول} إلى قوله: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا} الآية فجعل الفيء لثلاثة أصناف المهاجرين والأنصار والذين جاؤوا من بعدهم ولذلك لما تلا عمر رضي الله عنه هذه الآية قال استوعبت هذه الآية الناس فلم يبق أحد من المسلمين إلا له فيها حق غلا بعض من تملكون من أرقائكم أخرجه أبو داود من طريق الزهري عن عمر رضي الله عنه منقطعا.
وروي من وجه آخر عن الزهري موصولا ورواه هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر رضي الله عنه أيضا ثم إن عمر رضي الله عنه جعل أرض العنوة فيئا وأرصدها للمسلمين إلى يوم القيامة فدل على أنه فهم دخولها في آيات الفيء ولذلك قرره أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز في رسالته المشهورة التي بين فيها أحكام الفيء وقد اعتمد عليها مالك وأخذ بها كما ذكر ذلك القاضي إسماعيل في كتاب أحكام القرآن وساقها بتمامها بإسناده.
وذكر البخاري في صحيحه بعضها تعليقا وبين دخول الأرض في الفيء وأن هذه الآيات ليست بسبب بني النضير وبنو النضير أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعد أن حاصرهم.
قال الزهري حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير وهم سبط من اليهود بناحية من المدينة حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة إلا الحلقة فأنزل الله فيهم يعني أول سورة الحشر أخرجه أبو عبيد وخرجه أبو داود مطولا من طريق الزهري عن عبدالرحمن بن كعب عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديثا طويلا وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا على بني النضير بالكتاب فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء فجلت بنو النضير واحتملوا ما أقلت الإبل من أمتعتهم وأبواب بيوتهم وخشبها فدل أن نخل بني النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة أعطاه الله إياها وخصه بها فقال تعالى: {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} يقول فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها للمهاجرين وقسمها بينهم وقسم منها لرجلين من الأنصار كانا ذوي حاجة وبقي منها صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي في أيدي بني فاطمة رضي الله عنها وهذا الكلام أكثره مدرج من قول الزهري والله أعلم.
وخرج أبو داود من قوله كانت بنو النضير للنبي صلى الله عليه وسلم إلى آخره من قول الزهري.
وثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير وقطع وهي البويرة فنزلت فيهم هذه الآية: {ما قطعتم من لينة أو تركتموها} الآية.
وفي الصحيحين أيضا عن عمر رضي الله عنه أنه قال كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجب المسلمون عليه بخيل ولا ركاب وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة فكان ينفق منها على أهله نفقة سنة ثم ما بقي جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل وإذا علم أن الآية نزلت بسبب بني النضير فبنو النضير بما تركوا أرضهم ونخلهم وسلاحهم وقد جعله الله فيئا وخصه برسوله إما لأنه كان يملك الفيء في حياته أو لأنه كان يقسمه باجتهاد ونظره بخلاف الغنيمة.
ولا ريب أن بني النضير لم يتركوا أرضهم إلا بعد حصار ومحاربة ولم ينزلوا من حصونهم إلا خشية القتل ومع هذا فقد جعل الله أرض بني النضير فيئا وقوله تعالى: {فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} تذكير بنعمة الله عليهم في أنهم لم يحتاجوا في أخذ ذلك إلى كثير عمل ولا مشقة.
وقال مجاهد في قوله: {فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} قال يذكرهم ربهم أنه نصرهم بغير كراع ولا عدة في بني قريظة وخيبر خرجه آدم بن أبي إياس عن ورقاء عن أبي نجيح عنه.
ومعلوم أن خيبر وقع فيها قتال لكن يسير فتكون الآية كقوله: {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة} وحينئذ فإما أن تكون الأرض تستثنى من عموم قوله: {واعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} الآية فيكون ذلك تخصيصا من العام وإما أن يكون هذا ناسخا لحكم الأرض من آية الغنيمة فإن قصة بني النضير بعد قصة بدر بالاتفاق والأشبه التخصيص إلا أن يقال إن قصة بدر لم يدخل فيها إلا المنقولات إذ لم يكن في غنيمة بدر أرض وهذا على قول من يرى التخصيص بالسبب ظاهر ومما يدل على تخصيص آية الغنيمة بالمنقولات أن الله تعالى خص هذه الأمة بإباحة الغنيمة كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة.
والذي خصت بإباحته هو المنقولات دون الأرض فإن الله تعالى أورث بني إسرائيل أرض الكفار وديارهم ولم يكن ذلك ممتنعا عليها لأن الأرض ليست بداخلة في مطلق الغنيمة وإنما كان ممتنعا عليهم المنقولات ولهذا كانوا يحرقونها بالنار وإنما خص الغانمون من هذه الأمة بالمنقولات دون الأرض لأن قتالهم وجهادهم لله عز وجل لا للغنيمة وإنما الغنيمة رخصة من الله تعالى ورحمة بهم فخصوا بما ليس له أصل يبقى وأما ماله أصل يبقى فإنه يكون مشتركا بين المسلمين كلهم من وجد منهم ومن لم يوجد بعد ذلك ويبين هذا أن الله تعالى نسب الغنيمة للغانمين فقال واعلموا أن ما غنمتم من شيء فأما الأرض فأضافها إلى الرسول لقوله ما أفاء الله على رسول من أهل القرى إشارة إلى أن كل قرية يفيئها الله على أمته إلى يوم القيامة فهي مضافة إلى الرسول غير مختصة بالغانمين والإمام يقول مقام الرسول في قسمتها بالاجتهاد وقوله ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى من الأرض خاصة وقد صح عن عطاء بن السائب والحسن البصري وغيرهما من السلف أنهم قالوا الأرض فيء وإن أخذت بقتال وتقدم ذكر ذلك عن جماعة من العلماء يدل على ذلك أنه جعلها لثلاثة أصناف المهاجرين والأنصار ومن جاء بعدهم من المسلمين وهذا لا يمكن في المنقولات قطعا لأن المنقولات تستهلك ويختص به من يأخذه فلا يمكن اشتراك جميع المسلمين فيه.
وقد قيل إن هذه الآية نزلت في قرى عرينة التي فتحت على النبي صلى الله عليه وسلم أو فيها وفي قرى بني قريظة والنضير وحنين وقيل بل الآية تعم كل ما فتح إلى آخر الدهر وهو أصح وإن كان سبب نزولها في قرى عرينة فإن سبب النزول لا يخص الحكم العام قال معمر بلغنا أن هذه الآية نزلت في الجزية والخراج خراج القرى يعني القرى تؤدي الخراج ذكره ابن أبي حاتم.
وكذا قال الحسن بن صالح إن الفيء ما أخذ من الكفار بصلح من جزية أو خراج وكذا فسر أحمد الفيء بأنه ما صولح عليه من الأرضين وجزية الرءوس وخراج الأرض وقال فيه حق لجميع المسلمين ولم يذكر في هذه الآية بغير إيجاف كما ذكره في الآية الأولى.